Saturday, September 01, 2007

في المسألة الإسلامية

تلبية لدعوة غداء عند صديق أوروبي كنت في زيارة لمدينته, بادرني, وهوالدارس للغة والثقافة العربية ومشروع مستشرق كبير, بسؤال قد يبدو مسيئا إن صدر عن غيره. سألني " ألا ترى أن العالم الإسلامي متخلف على مختلف الأصعدة الحضارية والمدنية؟ لماذا لا تريد أن تعترف أن الإسلام هو أحد أهم أسباب تخلف الشعوب؟
فجاوبت على الفور "لا أعتقد أن الدين قد يكون مؤثرا على تخلف أو تقدم المجتمعات, على الأرجح تعامل هذه المجتمعات مع الدين هو المؤثر الحقيقي
يطبع المجتمع صورته على دينه..

الدين والمجتمع, وعلاقة التأثير المتبادل:

الدين كما نراه الأن أثر وتأثر بثقافة المجتمعات التي تبنت الإيمان به...
كما يشكل الدين عاملا مهما في بناء المنظومة الأخلاقية للمجتمع, يشكل المجتمع مؤثرا مهما على الدين نفسه, تختلط فيه الأعراف والتقاليد و طبيعة المجتمع نفسه..
لا يحدث ذلك مرة واحدة.
بل يحدث ذلك طوال الوقت..
فالمجتمعات التي تطورت تطور معها دينها وأصبح أكثر موائمة للعصر وتبنى الكثير مما أنتجته هذه المجتمعات من منجزات ثقافية وفلسفية حضارية.
لعل قبول الفاتيكان لنظرية التطور مثال واضع على ذلك.

على الضفة الأخرى, المجتمعات التي تعج بالفوضى والفساد والعبثية والتخلف والجهل, أثرت أيضا على دينها و أصبح دينها جامدا, رافضا للأخر وللتطور, هدفه هو فرض نفسه على حياة المؤمنين به, وأحيانا على غير المؤمنين به, إن لم يكن بالإقناع فبالإرهاب. دين متمحور حول الحياة الأخرة وغير قادر على التواصل البراجماتي المنطقي مع الواقع.

لنتفق أولا, أن الدين مكون رئيسي من مكونات ثفافة المجتمعات البشرية. شاء من شاء و أبى من أبى, وسيبقى الناس متدينون حتى يرث الله الأرض ومن عليها..
إدراكا لذلك واجب المؤمنين بالدين تجاهه وتجاه أنفسهم أن يعيدوا دوما قراءة نصوصهم قراءة عصرية, خدمة منهم لأنفسهم ليلحقوا بركب الحضارة الذي تحرك منذ عصور النهضة من الصفر, وخدمة لدينهم الذي سيتطور مع المجتمعات ولن يتعارض مع وجودها, ولن يكتسب عداء الجميع ليبقى ملبيا لحاجات الإنسان الروحية ومرجعا أخلاقيا يدعو دائما إلى السلام والحب والمساواه بين البشر كما قدر له أن يكون, رسالة سامية تهدي الفرد إلى ما فيه صلاح لنفسه ومجتمعه...يقول الرسول" إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق" وإنما أداة قصر.

تململ صديقي وهو يملأ كأسه بنبيذ بوردو الشهير, وقال لي " تبريريا كعادتك يا طارق, تدور في دوائر فكرية لكي لا تدين أحدا", فقاطعته مبتسما " لا تدينوا كي لا تدانوا, أنا فقط أؤمن أن إدراك أبعاد المشكلة جزء أساسي في حلها". قاطعني وكأنه يريد تسجيل نقطة" إذا فأنت تعترف أن هنالك مشكلة, تعترف أن التعايش مستحيل مع دين يعلم البغض في الله والولاء والبراء وفسطاط الحرب وفسطاط السلام, دين لا يجد غضاضة في التضحية بالبشر, يتساوى في ذلك البشر من جماعته أو من خارجها, من أجل هدف ضبابي إسمه إعلاء كلمة الله في الأرض..." قاطعته بضحكة مجلجله مخالفا قواعد اللياقة, إذ لم أتوقع هذا النمو الهائل في قاموسه السلفي الذي يرجع الفضل فيه إلى البروباجاندة السلفية الجهادية التي أصبحت مرأة الغربي على مجتمعاتنا. إعتذرت عن سوء أدبي و رددت عليه" أن تختزل الإسلام بكل تياراته الثقافية ,من فلسفة إسلامية إسماعيلية وصوفية و إخوان صفا وإبن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم الكثير والكثير , في بعض المؤدلجين و الأصوليين المحتكريين للحقيقة لهو إجحاف كبير منك, ولا أستطيع أن أنكر أن القراءة الرجعية للإسلام هي السائدة بين المسلمين اليوم وذلك لأننا نتعرض لأزمة وجود وهوية بالإضافة إلى تعقيدات ثقافية وفلسفية"..
نظر لي بأسى ,وهو من تعلم العربية حبا منه في الفلسفة الإسلامية, وسألني بعينيه " والحل؟"
ميكانيزمات الحل في حد ذاتها أمرا معقدا ويستلزم عصف فكري طويل وحوار وجدال بين متخصصين ومؤمنين بمشاريع مختلفة, وكي يصبح ذلك ممكنا يجب أن نبدأ بخطوتين متوازيتين متزامنتين نبذ ثقافة إحتكار الحقيقة و إعادة قراءة النص بعقل تسلح بكل ما أنجزته الحضارة ثقافيا وعلميا..
- نبذ إحتكار الحقيقة
لتطوير نظرة المجتمع للدين, يجب أن تسود في المجتمع قيم الفردية.. يجب أن يحتفل المجتمع بتعدديته لأن المجتمعات التعددية اكثر ثراءا ثقافيا.. يجب أن يدرك الفرد أن كل إنسان تجربة خاصة قائمة بذاتها.. والحقيقة ليست هي ذاتها في عيون الجميع..
ما يعرفه كل مؤمن هو أن الإيمان حالة روحانية لا تشرح بالورقة والقلم ولا بعمليات حسابية أو بقوانين الفيزياء..
هي " لمسة الرب" كما وصفها لي صديق قس..أو حالة من التذوق الصوفي.
وإنطلاقا من ذلك يتوقف الفرد من فرض ما يراه حقا على من يرى الحق في غيره..
لكي ينضج المجتمع بإدراكه لنسبية الأمور.
وهكذا يحكم المجتمع أطر أخلاقية عصرية متغيرة عوضا عن أطر مؤدلجة تجاوزت حدود المكان والزمان. ليتطور المجتمع دون أن يرغم على الإختيار بين دينه ودنياه.
- إعادة قراءة النص
وتلك هي الخطوة الأخطر والأشجع, لأنك نطلب من المتخصصين, الذين إتخذوا التلقين أسلوب تعلم وتعليم, بإعادة قراءة المقدس على أسس عصرانية.
لا يخلو المشهد الثقافي الإسلامي من محاولات لإعادة قراءة النص وإن بقيت محاولات فردية كجهد نصر حامد أبو زيد أو تنظير محمد أركون..
دعمنا لتلك المحاولات, بغض النظرعن إتفاقنا أو إختلافنا مع ما تتوصل إليه, هي طوق نجاة للعقل المسلم المحاصر.
ولنتذكر أن خطوة مارتن لوثر الأساسية في إصلاح المسيحية كانت ترجمته للكتاب المقدس إلى الألمانية ليخلصه من الموروث الثقافي و حراسه الكهنوتيين..

ركبت الترام حتى الاستوديو الصغير الذي أنزل فيه وسؤال صديقي الأخير يأبى أن يتركني وحدي" هل وجدت الأيديولوجية لخدمة البشر ام وجد البشر لخدمة الأيديولوجية؟"


\\\\\\\

Tuesday, July 31, 2007

دوامات الواقع الديدانية والعصف الفكري

كأي مهاجر مصري رحلت عن الوطن وأبى الوطن الذي يسكنني أن يرحل عني, وطوال سنين غربتي كنت متابعا ومعايشا لكل ما يحدث في مصر, عن طريق الإعلام والشبكة وكل ما طالته يداي عن مصر, يتساوى في ذلك إنتخابات النقابات أوالمجالس المحلية وحتى نتائج دوري كرة القدم المصري وروبي وبوسي سمير و سعد الصغير, صاحب رائعة العنب العنب..
تصورت, خاصة في الثلاث سنوات الماضية, أن مصر على حافة التغيير.نعم سمعت الطبول وأنا في أطراف المعمورة..طبول التغيير تقرع والإيقاع المحموم يصرخ إخوان-أيمن نور- أقباط المهجر- أحداث الطائفية- كفاية- القضاة- شيخ الأزهر- نوال السعداوي- سعد الدين إبراهيم....................والإيقاع يستمر.
وعدت, لأسباب شخصية ربما, وإن خالطها رغبة مسيطرة أن أكون هنالك وأختبر ألام المخاض والفجر يولد..لست متفائلا أو حالما, فالسنوات أطفأت جذوة قلبي.
لكني عهدت نفسي قارئا للأحداث ومحللا مقنعا ,لنفسي على الأقل.إستبصرت فجرا..ودعمتني طبيعة الأشياء.. عدت وتجاهلت كل الإحباطات والتعقيدات..لم أنظر أبدا للوراء, لم أقارن ولم أندم..
وبعد شهور ستة ذهبت السكرة..
الشعب المصري كما هو, كما عهدته دوما
شعبا طيبا سلبيا مهاودا فهلويا ومحتالا على كل الدنيا ليبقى....ناقم على رؤسائه ولكنه يستعذب أن يفكر له الأخرون..
الإيقاعات التي حسبتها مقدمة مقطوعة التغيير إتضح أنها إيقاعات رتيبة عبثية تهمم, لا تصرخ كإنتقال حسني عبد ربه إلى الأهلي أو الإسماعيلي.. سفاح المعادي الذي يظهر ليهاجم الفتيات (والفتيات فقط) ليتركهم بخدوش تثير رعب المصريين والمصريات في التليفونات وعلى المقاهي.. خطوبة المخرج خالد يوسف من الممثلة منة شلبي وتأثير ذلك على بيته و زوجته..و الكثير من الغثاء والعبث..
في إيقاع رتيب منتظم تتصاعد الأحداث في ذهن المواطن وتخبو (دوما بلا إجابات) عندما تبدأ إيقاعات البلاهة التالية..نفس الإيقاع العطن القديم..نفس الدومات..
المصري, التعميم جهل ولكنه أحيانا ضرورة, غير قادر, كما كان دوما, على إتخاذ موقف فكري من أي نوع..فعلى سبيل المثال..مع التغلغل السرطاني للإخوان المسلمين في النقابات والسلطات التشريعية بل والتنفيذية.. فالمواطن ليس له أي موقف حقيقي منها, فموقفه هو كرهه للحكومة وكرهه للإخوان عندما يحكموا, تأييد أي متدين مظهري والموافقة ضمنا على ممارسات الحكومة ضدهم لحمايته منهم..
الصراع السياسي في مصر هو بين طرفين (معارضة بأطيافها وحكومة) لا يستمد أيا منهما مشروعيته من طرف أخر متجاهل للصراع برمته إسمه رجل الشارع.والحقيقة الغير قابلة للشك أن المصريون لم يقوموا بثورة شعبية منذ ثورة1919
واضعين في إعتباركم أنهم يعيشون في حالة من العشوائية والخلل الإجتماعي والقهر على مر التاريخ.. أنا شخصيا أعتبر أننا لم نحكم بمن هو فعلا أهل للثقة منذ محمد علي.
هذا المقال ليس سبا أو قدحا, هو مجرد وصف من عيون تكحلت بشمس هذا الوطن..هو توضيح لكل الناشطين والمعارضين والموالين أننا بنقاشاتنا لن نغير أي شيء على أرض الواقع..فالشارع هو من يغير والشارع في غيبوبة إصطناعية تروقه وتروق حكامه..يجب أن ندرك أن نقاشاتنا البيزنطية, وهي كذلك عند رجل الشارع, ليست إلا سيجارة أمل "نضربها" في عصف فكري تنظيري بعيد عن الواقع.

Saturday, July 21, 2007

عربي أو لا عربي..هذه هي المسألة


في عصرنا الحالي ومع شيوع قيم الفردية والعلمانية وتقبل الأخر, وكنتيجة للتطور الذي نشهده على جميع المستويات,على إنتمائنا أن ينضج" فالفرد الأن ينتمي لنفسه وكل شخص تجربة قائمة في حد ذاتها.
نحن في عصر كوزموبوليتانية الإنتماء, نحن مواطنون عالميون فأنا أؤمن بحقوق الإنسان والقانون الدولي والمساواة وحق تقرير المصيروحرية التعبير والإعتقاد ..
وأنتمي للجنس البشري وكل ما أنتج من ثقافة ومدنية وتحضر... لست إنعزايا و لا تسكنني فوبيا الإنتماء إلى العرب.......
رغم أني لست عروبيا من الناحية السياسة أو حتى العرقية... ولكني لا أفهم دعاوى الإخوة الإنعزاليين.. للأسباب التالي: أناعربي ثقافيا أتحدث العربية, أفكر بالعربية وأتعرض إلى نفس المؤثرات وأعيش ظروفا مشابهة ويواجه مجتمعي نفس
التحديات الداخلية قبل الخارجية, فنحن أعداء أنفستا الأخطر-"كلنا في الهم عرب" تشابه شديد بين كل الدول العربية (أو الشرق أوسطية إذا رغبت) في شيوع التطرف الديني والجهل وسيطرة الميتافيزيقا.
أيضا نتشارك كوننا أوراق لعب في أيدي لاعبيين دولين يلعبون أكبر بارتيتة بوكر في المنطقة,إيران والولايات المتحدة.نتشارك إرثا ديكتاتوريا قمعيا..
شوهت على مر السنين ومسخت مجتمعاتنا وعطل تطورها فكريا وثقافيا حتى إحترنا, نحن دعاة الديموقراطية, بين دكتاتورية كليبتوقراطية وشبه ديموقراطية ثيوقراطية.- -
العروبة (مع إدراكي لسمعة هذه الكلمة) ليست إنتماءا عرقيا.. فإن لم نكن, نحن المصريون, عربا فلا السوريين عرب (فينيقيين) ولا الفلسطينيين (كنعانيين) ولا الجزائريين ( أمازيغ) ولا حتى الخليجيين ( كلهم تشكيلة من شعوب الأرض التي جاءت للحج أو للعمل وهم بلوش وسودانيين وإيرانيين و قلة من القبائل العربية)..)- -مصر على مر التاريخ (الحديث لا القديم الذي إنقطعت بينه وبينه السبل) كانت أم العرب وشعلتهم.. وفعلا عندما نقوم يقوم الجميع, وعندما نتخلف (كحالنا حاليا) يتخلف الجميع.مثلما كنا مصدر الثقافة والعلم في العلم العربي كنا مهد الإخوان والتكفيريين مثلما هندسنا الطرق والكباري في الخليج.. هندسنا تنظيم القاعدة (الإمتداد الأممي لتنظيم الجهاد)- -أما الإنتماء الفرعوني فهو إنتماء عاطفي, لا علاقة له بالواقع. كيف أنتمي لثقافة ماتت (أو بالأحرى قتلت) ولا أعرف عنها شيئا ولم تشارك في تكويني الثقافي-اللهم إلا بعض العادات المهببة كختان البنات و بعض أسماء المدن
ملحوظة: الفرعونية قتلت حتى قبل دخول الإسلام...المسيحية قتلت الفرعونية ثقافيا, لا أحاول محاكمة التاريخ ولكن مقتل فيلسوفة الإسكندرية, هيباتيا, على أيدي المؤمنين المسيحيين المتعصبين, لعله مثال كونكريتيا على ما أقول.
لست عربيا لأني فخور بذلك, أنا عربي لأني متشبع بالثقافة العربية وهي المكون الرئيسي لذاتي عن طريق التربيةوالتعليم والإعلام. كوني عربي لا يحملني أي مسئوليات سياسية أو إجتماعية -البراجماتية هي المرجعية الوحيدةالعروبة ليست موقفا سياسيا بعثيا...لا يمنعني كوني عربي من التقدم أو تقبل الأخر أو حتى إعادة محاكمة ثوابتي وتغييرها..فنعم أنا عربي ولكن حتى العربي إنسان أيضا..أليس كذلك......كل الإحترام والتقدير